يافع تراتيل من آية المطر
![]() |
نماذج من البناء المعماري اليافعي |
لازلتُ مندهشاً حتى اللحظة…أحاول أن الملم أطرافي..لعلي
استجمع شيء ما من صور الانبهار…وأي انبهار ذلك الذي يقودوني إلى حافة العجز..؟!! وأنا
أتنفس الحرف…أحاول أن اجمع الكلمات…فلازلت أسير الدهشة والانبهار....فكان صدى الصمت…يجعلني
أقف محتاراً…! كم أبدو صغيراً وأنا أقف حائراً…من
أين بدأ؟ وأي الاتجاهات سأسلكها؟!.ومن أي بقعة
أتذوق الشمس..؟
فرئيت البسمة ترتسم على شفاه مرافقي كأنه قراء حيرتي …وهو يقول يافع… ومن هنا كان البدء… ومن هنا نبدأ…نرتشف النور…من ثغر الأسطورة.
فرئيت البسمة ترتسم على شفاه مرافقي كأنه قراء حيرتي …وهو يقول يافع… ومن هنا كان البدء… ومن هنا نبدأ…نرتشف النور…من ثغر الأسطورة.
لتعيد السؤال… من أين ابدأ ؟؟؟ليرتد إليك ثانية.. فتسمع صوتاً يرتد
صداه في أرجاء الأفق…يافع ياسيدة مدن الخلود والشموخ.. الآن من أي الاتجاهات أبدأ…
ومن هنا كان البدء… ومن هنا نبدأ…
بقلم: صالح اليافعي
البداية:
كانت الساعة تقترب من السادسة صباحاً…عندما
خرجنا من عدن…مدينة الحلم والألم…فلم تعد جُنة…ولم تعد عروساً زفت لبحر القلزم….
بين عدن ويافع تمتد الطريق…ويبدوا أن مرافقي
وسائق السيارة…يريدان أن نسابق الرياح ونقطع الطريق والمسافات سريعاً… فقد كان يوم
الخميس.. وفيه تقوم احتجاجات(1) صباحية…قد تتطور إلى مواجهة بين الأمن والمحتجين…وتقطع
الطرقات..ونتأخر عن رحلتنا..
كانت
حركة المركبات كثيفة مع الصباح…يستوقفنا عند مخرج عدن نقطة عسكرية تفتش القادمون..وتقف
مركبات كثيرة…ويلوح بيديه لك بعد أن تقف بجانب العسكري…أن استمر بمسيرك…
على جنبات طريق لحج تمتد البنايات والمحلات
التجارية إلى مدينة صبر… ثم مدينة الحوطة مركز محافظة لحج التي تعبد 30 كم تقريبا عن
عدن..وتقع على وادي تبن الشهير…والتي تشتهر بالزراعة…وعلى جنبتها تبدو المزارع والبساتين….واشهرها
بستان الحسيني..
من حوطة لحج تودع البساتين والخضرة لتقابل كثبان
الرمل التي تزحف على الطريق…إلى أن تصل منطقة (العشش) في منطقة العند التي تقترب منها
متجاوزا سوق العشش الذي تعج فيه الفوضى وإلا نظام…وحركة المركبات الفوضوية التي لم
يبالي سائقيها برجل مرور يتوسط الطريق..
تقترب أكثر من سور كبير وبعض بنايات تبدو عشوائية
على جوانب الخط…ليحدثك مرافقك بان هذه هي قاعدة العند الاستراتيجية والتي تبعد عن عدن
بحوالي 60كم …والتي كانت اكبر قاعدة للجيش الجنوبي قبل أن يغيروا تسميتها إلى معسكر
وقاعدة 7 يوليو اثر هزيمة الجنوبيين في حرب
صيف 1994م.
في مفرق العند توجد طريق إلى تعز والحديدة وطريق
أخر يميناً إلى صنعاء وهو طريقنا الذي يمر بسيله تدعى بله..والتي تجاوزناها ولازال
آثار تدفق السيول باقياً حتى اقتربنا من منطقة الملاح وهي إحدى مديريات محافظة لحج..
كنت أحاول أدون بعض الأشياء التي أشاهدها…فسألت
مرافقي هل يوجد ملح هنا…في هذا المنطقة أو أنها سوقاً قديما للملح..وهل له علاقة باسمها…
فكانت إجابته عما سمعه انه قديماً عندما كان أبناء يافع والمناطق الأخرى يمرون بهذه
المنطقة على الجمال يتوقفون بهذه المنطقة…التي كان يوجد بها مكانا يستريحون به ويتزودون
بالطعام… وكان بهذا المكان فتاتين جميلتين…كان الكل يتسابق حتى يصل لهذه المنطقة ليحط
رحاله فيها…كي يشاهد الفتاتين…التي وصفهن بأنهن أجميل جميلات الأرض… وعندما يسالون
بعض أي المسافرين وأصحاب القوافل أين اللقاء والمبيت سيكون… يقولون عند البنات الملاح…
ولهذا أسميت فيما بعد الملاح نسبة إلى تلك الفتاتين..
كانت الساعة تقترب من الثامنة عندما تجاوزنا
الشارع العام لمدينة الحبيلين….وجلسنا نشرب بعض الشاي ونفطر في احد المطاعم البسيطة…وكان
مرافقي يقول هذا مفرق يافع…من هنا سنتجه إلى يافع…
استمر المسير حتى وصلنا حبيل جبر..وفي وسط السوق
لم نستطع المرور…فهو أشبه بعالم غريب جداً…أناس تقف وسط الشارع لا تبالي القادم والمار يكون مركبة أو بشرا…وتنتشر بسطات البيع حتى
وسط الشارع …وبعض الأغنام السائبة التي تجول فيه …فحاول السائق
أن يتجه بطرق ترابية خلف هذا السوق حتى وصلنا نهاية السوق وعدنا للسير
بالخط لعام حتى وصلنا إلى جسر وادي بنا…
كانت المياه تمر من تحت هذا الجسر المعلق الذي
يربط حافتي الوادي الشهير… والذي يمر هذا الوادي عبر ثلاث محافظات (أب ولحج وأبين)…وقفنا
جانباً نتأمل جريان السيول التي كانت لازالت تتدفق ذلك الصباح.. ولكنها ليس كبيرة…
وفي الجانب الأخر كان هناك بعض الشباب يمارسون السباحة في الماء… وبعض السيارات تقف
وكثيرون يلتقطون بعض الصور…وكنت أقف فوق الجسر الذي يمتد 150 متر ويرتفع عن سطح الوادي
50 متراً…
![]() |
جسر وادي بناء - العسكرية يافع |
واصلنا مسيرنا على مسافة 2 كم وإذا بنا في منطقة
العسكرية…حيث يختلط هناك في وسط الشارع الوحيد كثافة بشرية ومركبات…وأغنام…وبعض مجانين
وقفنا بجانب احد المطاعم..حيث قال صديقي انه
يفضل إن يأكل في هذا المطعم قطع اللحم..فهو لم يتذوق ألذ منه ….ويصف لنا إن للحم والبرم
في منطقة العسكرية مذاق خاص…حتى المرق حد وصفه يقول إنهم يتفننون في صنعه…
مرافقنا ورفيق رحلتنا المسعودي…يقول إن أكثر سكان العسكرية هم من منطقة”مشالة”
وأيضا من منطقة”رخية” التابعة لمكتب كلد… فهم من يملك المحلات التجارية والمطاعم… وهم
المسيطرون على سوق القات…وكذا البيوت التي انتشرت بكثرة في المدينة.
في العسكرية يقول مرافقنا أنها أسميت بهذا الاسم…ليس
لأنه منطقة عسكرية…ولكنها نسبة إلى قيام البريطانيين عندما كانوا يحتلون عدن…بتجميع
الناس في هذه المنطقة ممن كانوا يريدون الانضمام إلى عسكر الليوي جيش الانجليز… من
مختلف مناطق يافع وثم تأتي طائرة تقلهم إلى عدن…
في العسكرية التي كانت قبل أكثر من 30 عام خلاء وهباء لا يوجد بها إلا
بعض محلات من الزنك الصفيح…أصبحت اليوم سوقاً ومكاناً هاماً…والتي احتضنت في العام
2008م…مراسيم أول لقاء للجنوبيين الذين أعلنوا تنظيم سياسي حراكي جماهيري ينادي بفك
الارتباط بين صنعاء وعدن… ويدعوا إلى استعادة ارض الجنوب السابقة التي توحدت مع صنعاء
في 22 مايو 1990م.
كانت الأصوات تتعالى في هذا السوق.. ويرتفع
الضجيج والضوضاء.. ويزداد عدد المركبات التي تمر بالعسكرية…كان مرافقي قد طلب إن يشتري
بعض أوراق القات اليافعي… فهو كما يقول يفضل القات اليافعي وان كان من منطقة العمري
في يافع…سيكون رائعاً…
الجميع أنهى وجبتهم الدسمة… ومتهيئون لمضغ القات
مع إن الوقت لازال مبكراً..فالساعة تشير إلى الحادية عشر والنصف قبل الظهيرة… حينها
قال السائق يجب إن نتحرك. لكي نتمتع بمنظر المطر والسيول… فقد بداء الجو يتكون ببعض
السحب.. فهو موسم أمطار وقد اسماه السائق موسم “ثجر” في حساب مواسم يافع…. وما إن سمع
مرافقنا كلمة “ثجر” حتى نظر إلى السائق وهو يقول” اش من ثجر يا صالح… هذا موسم “عنابر”..واشتد
الخلاف بينهم بين موسمي ” ثجر” و”العنابر” لا اعرف بتلك الحسابات فقد كنت منشغلا بتلك
الفتاة التي مددت يدها وهي تقول” هبلي لله حق الغذاء” قلت لها: الله كريم…
كررت كلامها بالقول :”الله يرزقك الله يسترك…
الله يزوجك الله …يحفظ لك عيالك…” قلت لها سأعطيك ولكن قولي للي اي المواسم هو الآن” فقد كانت تسمع خلاف رفاقي” فقالت: عنابر…ما
تسمع أصوات “التيوس” هذا موسم عنابر…. كان صديقي يضحك…فمنحتها حق الغذاء وحق القات..
وانطلقنا حتى نهاية السوق…لنبداء في المرور بسيله وطن…
لم نتجاوز كيلو متر ونصف…وإذا بهم يشيرون إلى
وادي يقف يساراً يقولون من هنا طريق مشالة يافع… وتمتد عبر وادي طويل حتى أعالي الجبال….
على بعد ثلاثة كيلو متر ونحن نسير بطريق جانبية بالجبل ..نشاهد سيله
وطن والماء يجري عبرها…والأشجار الخضراء…دون
أن نجد إي اثأر لسكان بهذه المنطقة….التي قال عنها أنها تسمى” أسفل سرويت” ولم يعرف
سبب هذه التسمية والى ماذا تعود..
كانت الطريق خطيرة فهي أشبه بثعبان طويل..تتميز
بمنحدرات خطيرة وضيقة….تحس حينها بالدوار ….فطلبنا من السائق أن يخفف السرعة بعد أن
كدنا نصطدم بقاطرة كبيرة اثر تجاوز السائق احد المنعطفات…
استمر المسير حتى أسفل معربان… الذي يقودك إلى
السعدي رصد…ثم منطقة الشبحي… وبعض البيوت التي تقف يسارا ويميناً…
في يهر تشاهد قصورا حجرية…والتي سيأتي وصفها…لاحقاُ…والشيء
الذي لفت انتباهي…هي تلك المنارات التي تمتد من تله إلى أخرى… ويوجد رابط كأنه خط مستقيم
بين الوحدة والأخرى… والتي تستخدم للحراسة
قديماً ويقول عنها مرافقي أنها أقدم وسيلة اتصال عرفها يافع…حيث كانت تستخدم للحراسة
ونقل الأخبار…والتنبيه من المخاطر والغزو…من خلال بنائها المحصن وأيضا امتدادها على
حدود ومناطق يافع…
تسمى نوبة أو محرسه أو خلوة… تلك المنارة التي
تتميز بطولها الذي يمتد أحيانا أكثر من 7 متر وبقطر متران ونصف… تبنى بشكل دائري…وتتميز
بباب واحد…. وبعض فتحات في الأدوار العلوية منها… بنائها بشكل دائري هو نوع من التحصين…
فلا يستطيع العدو أن يهدها أو يحاول تسلقها وأيضا هي مكان يستطيع أن يشاهد فيه كل الاتجاهات…تتميز
أيضا بفتحات صغيرة لا تتجاوز 20 سم وتكون بشكل
مربع يستخدمها الشخص الذي يتولى الحراسة بتوجيه
فوهة بندقيته منها إلى الهدف الذي يقف خارجها..
![]() |
النوبة او المنارة او المحرسة اليافعية التاريخية |
في النوبة..يوجد درج أو سلم ولكنه من حجار مرصوفة
ومثبته في بناء النوبة من الداخل بشكل سلم حتى أعلى المنارة…
كانت النوبة أو المنارة في حالة أرسل رسالة
ما أن يقوم الحارس بإشعال النيران..أو النداء إلى زميله الذي يتولى الحراسة في النوبة
المقابلة وتكون إلى مسافة بين 500 إلى 700 متر…بينها وبين الأخرى…حيث ينتقل الخبر سريعا
خلال دقائق وساعات وتأتي النجدة من كل اتجاه بين مكاتب وقرى ومدن يافع.
يهر : تراتيل من آية المطر
في يهر …وادي الحلم والجمال …يهر يحتضن الكون
ويمد يديه لتراها وأنت تقف وسط هذا الوادي الكبير… ترى الجبال التي تحيطك من اليمين
والشمال… وكأنه رجلاً يتلو آيات العز…ويرتل نشيد من هنا كان الميلاد يهر..
في يهر حيث يكسو عبق الشموخ الأمكنة والزوايا
… وأصالة التاريخ.. وقوة الانتماء… ستبدو صغيراً وأنت ترقب الشمس مرسلةً أشعتها على
السفوح والآكام … وتعانق بنورها الأفق البعيد.. راسمةً على قمم الجبال عقوداً من الياسمين…
وتكسو الهضاب ألوان الزهور…وتنتشر في ثنايا الأودية مروج من ورد..وحقول البن… لتتشكل
على جنبات الحقول لوحات من جمال.. وتألقٍ يأخذك شذاها وشذراتها إلى عالم الخيال …يتراقص
فيه الأمل والفرح.. لتستنشق عبق الرياحين من بين تلك الأمكنة في فناء مسكون بمجد تليد..
في يهر وأنت تسير بهذا الوادي المسكون تنظر
إلى السماء…تنظر إلى قمم الجبال.. تتراءَ إليك تلك الغيمة التي تهمي بخيرها من قطرات…
لتشاهد الخير وقد أنطلق بطريقه إلى شعاب ووديان وسهول… يسقى الثمار اليانعة… والسدر
الباسقة…والورود والزهور التي تتبسم في منظر من سحر وروعة وجمال… لتتوجه بيديك وترسل
بصرك نحو السماء.. وتقول في ابتهالات الفرح… حمداً وشكراً لك يا رب السماء.. على نعمة
أعطيتنا إياها.. وأرض شرفتنا بسكنها..و خير رزقتنا به من ثمرها..
في يهر كنا قد وصلنا إلى قرية “مورة”…وكنت السماء
ملبدة بالغيوم وبعض قطرات من مطر بدأت تتساقط. وأصوات الرعد يرتد صداه بكل اتجاهات
الكون…تنظر إلى أقصى مد بصرك. لا ترى شيء. إلا وقد غطى المطر كل شيء…ماهي إلا ثواني
حتى…ترى
أمواج المطر تسير على الجبال وكنها صفوفا تلي
بعضها…تتراقص بها الرياح صعودا وهبوطاً…وكنها تعزف تراتيل من آية المطر…
كل شيء يختفي لم تعد ترى مد يديك…صديقي يتساءل
أين القصور التي كنا نراها على جنبات الوادي؟!!…أين ناطحات السحاب الحجرية؟!!…أين وأين
وأين..وأين سيمر هذا المطر. السيول…هكذا كان مرافقنا يتساءل. ويقول: هل ستتسع تلك
“السيلة ” السائلة لكل ما سيأتي من سيول..؟!! أظنها لن تترك شجرة بن بعد اليوم..!
حينها كانت أصوات الصواعق وهي تهز إرجاء الوادي…الواحدة
تلو الأخرى…مما جعل صديقي يصمت…وينذهل من شدة صوتها الذي يخيف أقوى القلوب والنفوس…
لم يقطع ذلك الصمت والذهول إلا صوت صديقي العقيد”علي
عبادي” وهو يقول:عليهم يارب…على المردة والشياطين…ويطلق هناء وهناك بعض القفشات المحببة
والساخرة التي يتميز بهذا ذلك الإنسان البشوش ذو القلب والأخلاق الطيبة..
قال صديقي ببراءة..: إذا ضربت هذه الصواعق هذه
البيوت…فكان الرد عليه سريعاً…الم ترى تلك القصور الشامخة وناطحات السحاب العالية وكأنها
بروجا مشيدة تثبت هذه الجبال وتحافظ على توازنها؟!!!..الم ترى تلك التشريفات التي تعلوا
سطوح هذه القصور؟!!!..فلم يترك أجدادنا شيئاً…فهي إن ضربت أي صواعق تضرب هذه التشريفات
فقط باعتبارها أعلى النقاط في هذه القصور…![](https://blogger.googleusercontent.com/img/b/R29vZ2xl/AVvXsEgN5JeskBNVQRxZArGWtkF1YGbn-jAou4CMtG1xFOVbyBKRODjUUSCOi39fslF-wwYFQaBiKNRP68dE_I43EGIzpYeSzA2F8uPF3D92w48tco77r3RjCQb1JIPMZxwZgoxbzwjNd2_G1d4/s400/21.jpg)
![](https://blogger.googleusercontent.com/img/b/R29vZ2xl/AVvXsEgN5JeskBNVQRxZArGWtkF1YGbn-jAou4CMtG1xFOVbyBKRODjUUSCOi39fslF-wwYFQaBiKNRP68dE_I43EGIzpYeSzA2F8uPF3D92w48tco77r3RjCQb1JIPMZxwZgoxbzwjNd2_G1d4/s400/21.jpg)
حينها كنا نراقب المطر من شباك المجلس…الذي
بدا يخف قليلاً…وكانت الجبال في منظر ليس له شبيه أو مثيل…تسيل منها الأمطار وكأنها
حلة بيضاء تكسوها…
كانت أول الشعاب القريبة من القرية قد وصلت
في سيولها إلى الوادي…فيزداد شيئا فشيئا…فلم نتحمل ذلك المنظر إن نشاهده من داخل المجلس…فخرجنا
جميعا إلى الخط العام بجانب الوادي ولازالت الأمطار تتساقط ولكنها ليست بكثافة..
أصوات رصاص قادم صوتها من المناطق الأعلى في
الوادي…يقول صديقنا علي عبادي…إن هذه إشارة إن السيول بدأت تتدفق في الوادي…ويجب الابتعاد
عنها واخذ الحيطة والحذر من الأشخاص الذين يكونوا في طريقها…
تحركنا حينها وبرفقتنا العقيد علي عبادي..نسير
على الطريق العام المحاذي يمينا لضفة وادي يهر… ولازالت الحركة بطيئة بهذه السيارة…ففي
طريقنا تنزل بعض الشعاب فوق خط الازفلت العام وتضع بعض أكوام من الرمال تمنع مرور المركبات…
كنا نسير رويدا رويدا ونحن محاطون بالأمطار
والسيول من كل اتجاه… منظر السائلة التي يمر فيها مجرى السيل تمتلئ شيئا فشيئاً…وحوائط
البن تمتلئ أيضا بالمياه والتي شق لها المزارعون ما يسمونه” عبر” أو اعبار يمر السيل
منها إلى داخل مزارع وحوائط البن التي كانت تحيط بالوادي يمين ويسار ..
كنا نسير وعيناً على السيل… والعين الأخرى نشاهد
البنايات التي تتأبط الجبل يمين ويسار…وكان صديقنا علي عبادي يذكر لنا أسماء القرى
والإمكان… ومررنا بأحد المنعطفات…وإذا به يشير لنا إن هذا بيت أبو وضاح…الشاعر اليافعي
الكبير ثابت عوض اليهري اليافعي…
أي منظر وأي مشهد وأي لوحات تلك التي تشاهد
على امتداد الطريق حتى تصل إلى منطقة “السويدا” مركز أو سوق يهر الرسمي…تقف هناك في
ملتقى أودية ملتقى شعاب…ملتقى بشري وعمراني…كبير
وقفنا هناك
ننظر للسماء…ونشاهد أعالي الجبال…وقممها وفيها قصورا كأنها نسورا أو صقورا تقف على
قمم الجبال يمينا ويساراً… وفي الأرض تشاهد سيولا تتدفق وتهدر وتسيل بقوة وتندفع…لا
تملك إلا إن تندهش وتقول بحسرة على عالم المدينة..أين نحن عائشون من هذا…في مشهد نادرا
إن يتكرر إمامك…بينما يكون مألوفاً لأهالي المنطقة…في يهر تقف على شموخ الوادي…ونهضة
المدينة…وقصورها الحجرية المطرزة بآيات الجمال…فلا تتعجب فأنت في يهر..آية عشق في المبتدأ
والشموخ…ومن هنا كانت البداية يهر…ولن تكون النهاية. ولازلنا في يهر...
جبل العر
عندما كنت في طريقي إلى جبل الـعـر...كانت الأسئلة
تتداخل في رأسي...ابحث عن إجابة...لكل هذا التقديس والمكانة التي يحتفظ بها هذا الجبل
في نفوس قبيلة يافع...ليجعلوا منه رمزاً وطنياً وتاريخياً ربطوا بقائه ببقاء يافع...
ما أن تطأ قدماك جبل "الـعــر"...
تقف مندهشاً تبحث عن كلام... تبحث عن وصف...لهذا العملاق... الذي كان ولازال كابوساً
مرعباً... للغزاة عبر التاريخ...
أقف ساكتاً وحيداً مندهشاً... أتأمل أين البداية...ومن
أين أبدا لهذا الجاثم بإصرار فوق بطن الأرض ؟. أنني أقف على جبلٍ مطلٍ على أنحاء الأرض...
جبل كأنه أسطورة بحجمه ومستوى سطحه المنبسط... وأتساءل مع نفسي ...ترى أين ستكون النهاية؟...
يأخذني من يدي كي أرى وشماً في خد الجبل...رسمه
الأجداد في ملحمة النصر منذ قرون...أي اياداً تلك التي أطاعها هذا العملاق؟...واستطاعت
أن تروضه...فهذا ليس وشماً ..انه نحتاً يشق صدر الجبل...حفرته أياد قوم اختاروا العر
رمزاً لهم...فاختارهم أهلاً له...توارثوا البطولة والمجد. في هذه البقعة المسكونة كأقوام
يمتد بهم التأريخ إلى ميلاد البشرية...
من أعلى الجبل تريد أن ترى يافع من كل الاتجاهات...ترى
مدن يافع ...هكذا يخيل إليك...وأنت ترسل بصرك مد الأفق...
"العر باقي ويافع بالوجود" يقول صديقي
المسعودي... الواقف بجانبي...وهو ينظر جانباً إلى ما كنت أسجل في مفكرتي...وكأنه قراء
حالة الارتباك التي أصابتني...وأنا أوزع نظري بكل الاتجاهات والأنحاء...
![](https://blogger.googleusercontent.com/img/b/R29vZ2xl/AVvXsEhtW4uNXc3V5bmgN7rjdMverNMJF0CXrV6_SPiDnVmx0CbeshA2Y4iIGqkEYqzMWkBJtXdw1M5LIeUTxaOCSQ-oIJsVlXwsdPqRwEFp9B_KNdkRUxsV_NVlH1D6cQYc1IdpifydHwyjFCE/s400/5.jpg)
تقف على سطح الجبل وكأنك تعانق السماء...تسال
أين هي أقصى بقعه لحدود يافع؟..لن تنتظر طويلا تبحث عن إجابة... وأنت تنظر بكل الاتجاهات...
صديقي المسعودي وهو شيخ مكتب "الحضرمي"
احد مكاتب يافع العشرة...والذي يقع هذا الجبل في أطار حدود المكتب... يقول :
"انظر إلى أقصى ما يصل إليه بصرك فلن ترى النهاية...فسيرتد بصرك دون أن تصل إلى
نهاية حدود يافع التاريخ.... فهي ابعد مما وراء مد البصر..!!
![]() |
جبل العر يافع |
من أعلى الجبل ترى جبل حلين يتكئ إلى جبل العر...يقف
شامخاً وكأنه يقرأ آيات المجد...مطرزاً رأسه بتاجٍ يعلو "عمامة"يافعية...لا
تتأثر بمرور الزمن...وعلى يمينه ويساره وكل زواياه...تمتد حصون يافع...وارض منبسطة...يسكنها
قوم أشداء...كان لهم مع التاريخ جولات...وفي معترك الحياة صولات...صدورهم درعاً ليافع...وأرضهم
"مخازن يافع من الحبوب...كتبوا التاريخ بشجاعتهم... واسقوا البيداء بدماء أعدائهم...وكان
أخرها معركة تحرير جبل العر في 2011...التي سجل فيها أبناء الحد ويافع انصع علامات
الفداء والنصر...
من هنا نبدأ ...من العر من جبل يافع ستكون البداية.
صالح اليافعي - يافع -2012
وهنا يمكن الاستفادة من الشرح الذي شرحه الأستاذ فضل بن سنان عن (النوبة) وذلك في منشور له على صفحته في الفيس بوك بتاريخ 19 أكتوبر 2015موهذا نصه "
ردحذف" النُوبَة:وهي عبارة عن مبنى دائري يتكّون غالباً من أربعة أدوار، مساحتها لا تتجاوز مترين داخلياً زاد أو نقص بحسب الحاجة والمكان ،وتشبه كثيراً (المنارة)، تستخدم لحراسة المدرجات الزراعية والوديان ،ووظيفة عسكرية أيضاً واتصالات ،ويتم اخيتار أماكن البناء بعناية حيث تطلّ على أغلب المناطق لتكون مرتبطة بنُوبَة أخرى في الضّفة الأخرى ،لتواصل حتى تصل إلى القرى، وكان أيضاً ينصّب عليها(البُوق) في بعض الأماكن الهامة ،وذلك لإشعار أهل القبيلة بالخطر، ويطلق عليها نُوبة كما تحدث بعض الشيوبة الذين لهم معرفة في وسائل استخدام هذا المبنى أنه أطلق عليها نُوبة من الإنابة أي تنوب عن الإنسان في تشكّل هيكل الحراسة وتظهر هيبة للمناطق التي تطلّ عليها بحيث تكون بعض الأوقات نائبة عن الحارس وقيِل من التناوب على الحراسة حيث يكون على كل فرد واجب الحراسة ويتناوبون كل منهم ما يلزمه بالواجب سواء اليومي أو كما يتفق عليه بين القرى ،ومن أدوات إيهام العدو أو الغازي ،ويضع لها الغازي حساب حيث يشكّ كثيراً أن هناك حراسة مشددة في هذه المنطقة وكثيراً ما يكون فيها تواجد لحراسات ، كما تحدث أنها تعتبر من وسائل الاتصالات حيث كان الأقدمون يستخدمونها لوسائل الاتصالات عبر (البُوق) أو وسائل الإشارة، يستخدم في بناءها الأحجار الصلبة من( ظهارة وبطانة في مدماكها)،والظهارة هي الأحجار الظاهرة في المبنى والبطانة تكون في الجانب الداخلي ليكون بناءها قوياً ومتينا ً، بعض هذه المباني تجاوز عمرها قرون من الزمن وحينما تشاهدها وكأنها بنيت في عهد قريب بينما عُمرها مئات السنين وذلك سبب استخدام الأحجار الصلبة في بناءها، هذه الصورة تظهر هذا المبنى الذي أستخدمها الآباء والأجداد في مناطق ?#يافع?، وتعتبر من ضمن الحضارة أو التراث الإنساني الذي تركه الأقدمون كعنوان لحضارتهم واهتمامهم بمسيرة حياتهم وحمايتها،وفي بعض القرى استخدم شكّل النوبة كمنزل ولكن بالحجم الأكبر حيث تحتوي على غرف ، كما أشُتهرت يافع باستخدام الأحجار الصلبة في بناء المنازل والحصون منذ الأزل واشُتهرت باستخدام وسيلة (العُقود) وهي عبارة عن نصف دائرة بالأحجار تستخدم في المباني أو الطر قات أو كما هو ظاهر في (النُوبة ) بالشكل الظاهر في العمارة الفنية والشكل الدائري "